ٱلْأَسَدُ وَٱلْأَرْنَبُ: قِصَّةٌ مِنْ كَلِيلَةَ وَدِمْنَةَ
فِي حِكايَةٍ قَدِيمَةٍ مِنْ كَلِيلَةَ وَدِمْنَةَ، كَانَ فِي غَابَةٍ وَاسِعَةٍ أَسَدٌ جَبَّارٌ يَتَسَلَّطُ عَلَى سَاكِنِيهَا. كَانَ يَتَصَرَّفُ بِسُلْطَةٍ وَقُوَّةٍ.
وَفِي نَفْسِ الغَابَةِ كَانَ أَرْنَبٌ صَغِيرٌ رَشِيقٌ ذَكِيٌّ، وَيَحْتَرِسُ مِنَ المَخَاطِرِ بِحِذْرٍ وَفِطْنَةٍ. وكَانَ يَحْيَا بِسَلامٍ وَتَوَاضُعٍ.
بَدْءُ المَأْسَةِ
في أحد الأيام دَعَا ٱلْأَسَدُ حَيَوَانَاتِ الغَابَةِ إِلَى مَجْمَعٍ، فَرَأَى الأَرْنَبَ يَجْرِي فِي الحَقْلِ بِرَشَاقَةٍ، فَانْتَبَهَ إِلَيْهِ، وَأَرْسَلَ لَهُ رَسُولًا يَسْأَلُهُ عَنْ هُوِيَّتِهِ. فَعَرَّفَ الأَرْنَبُ بِنَفْسِهِ بِتَوَاضُعٍ، فَأَعْجبَهُ ذَلِكَ وَأَحَبَّهُ، فَأَكْرَمَهُ وَوَضَعَهُ تَحْتَ حِمَايَتِهِ.
بَدْءِ الفِتْنَةِ
لَكِنَّ وِزِيرَ الأَسَدِ، ٱبْنُ آوَى، لَمْ يَرْضَ بِقُرْبَةِ الأَرْنَبِ مِنَ السُّلْطَةِ، فَخَافَ عَلَى مَنصِبِهِ. فَبَدَأَ يَنَمِّمُ وَيَبُثُّ الشَّكَّ فِي نَفْسِ ٱلْأَسَدِ، يَقُولُ لَهُ أَقَوالًا مُزَوَّرَةً عن خِيانَة الأرنب.
وَقَبِلَ ٱلْأَسَدُ هَذِهِ ٱلْأَقْوَالَ بِدُونِ تَحَقُّقٍ، فَأَضْفَى هَذَا الشَّكُّ عَلَى سُلوكِهِ تَرَصُّدًا لِلأَرْنَبِ، وَظَنَّ أَنَّ المَخَاطِرَ تُحِيطُ بِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ.
حِكْمَةُ الأَرْنَبِ
لَمْ يَسْتَسْلِمِ الأَرْنَبُ لِهَذَا الظُّنِّ، بَلِ ٱتَّخَذَ مِنَ الحِكْمَةِ سَبِيلًا. تَمَنَّعَ عَنِ الخصامِ وَبَدَأَ يَتَصَرَّفُ بِحِذْقٍ لِيَفْتَحَ سَبِيلَ الوُضُوحِ. تَظَاهَرَ بِالتَّوَاضُعِ، وَأَظْهَرَ لِلأَسَدِ مَحَبَّةً، حَتَّى يَخْفَتَ غِيْمُ الشَّكِّ فِي قَلْبِهِ.
ثُمَّ تَسَلَّلَ الأَرْنَبُ بِهُدُوءٍ إِلَى مَكَانِ وَزِيرِ ٱلْأَسَدِ، وَٱسْتَمَعَ إِلَى كَلاَمِهِ، فَسَمِعَ أُمُورًا تَدُلُّ عَلَى مَكْرِهِ وَنَمِيمَتِهِ. فَرَجَعَ إِلَى ٱلْأَسَدِ وَأَخْبَرَهُ بِمَا سَمِعَ، فَانْكَشَفَ لِلْأَسَدِ حَقِيقَةُ ٱلْأَمْرِ.
نِهَايَةُ ٱلْقِصَّةِ وَٱلْعِبْرَةُ
عَلِمَ ٱلْأَسَدُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ ضَحِيَّةَ مَكْرِ ٱبْنِ آوَى، فَقَرَّرَ أَنْ يعْزِلَ ٱبْنَ آوَى عَنِ ٱلْوِزَارَةِ، وَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ سَلَامٌ وَرَدُّ ٱلوَئَامِ إِلَى الغَابَةِ.
تُذَكِّرُنَا هَذِهِ ٱلْحِكَايَةُ أَنَّ ٱلْحِكْمَةَ وَالتَّأَنِّي فِي ٱلاِسْتِبَانَةِ أَفْضَلُ مِنَ النَّظَرِ السَّطْحِيِّ، وَأَنَّ ٱلنَّمِيمَةَ تُفْسِدُ ٱلْقُلُوبَ وَتُفَرِّقُ ٱلْأَصْدِقَاءَ.
- ٱلتَّحَقُّقُ قَبْلَ ٱلْقَفْزِ إِلَى ٱلاِسْتِنْتَاجِ.
- لَا تُصَدِّقِ ٱلنَّمِيمَ بِدُونِ بُرْهَانٍ.
- ٱلْحِكْمَةُ وَالتَّوَاضُعُ قَدْ يُنْقِذَانِكَ مِنْ المهالك.
أَسْئِلَةٌ لِلْفَهْمِ وَالتَّفْكِيرِ
- مَا دَوْرُ ٱبْنِ آوَى فِي ٱلْقِصَّةِ؟
- كَيْفَ تَصَرَّفَ ٱلْأَرْنَبُ لِيُبَيِّنَ حَقِيقَةَ ٱلْأَمْرِ؟
- مَا الدَّرْسُ ٱلَّذِي يَجِبُ أَنْ يَسْتَوْرِدَهُ ٱلْقَارِئُ مِنْ هَذِهِ ٱلْحِكَايَةِ؟
خَاتِمَة
تَظَلُّ حِكَايَاتُ كَلِيلَةَ وَدِمْنَةَ مَخْزُونًا مِنَ ٱلْحِكَمِ، فَلْنَأْخُذْ مِنْهَا مَا يُزَكِّي خُلُقَنَا وَيُقَوِّي وُقُوفَنَا أَمَامَ ٱلْفِتَنِ.