مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الكَرِيمِ الخِطَّابِيُّ: أَسَدُ الرِّيفِ المَغْرِبِيِّ وَرَمْزُ المُقَاوَمَةِ
يُعْتَبَرُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الكَرِيمِ الخِطَّابِيُّ مِنْ أَبْرَزِ رُمُوزِ المُقَاوَمَةِ فِي تَارِيخِ المَغْرِبِ وَشَمَالِ إِفْرِيقِيَا. لُقِّبَ بِـ"أَسَدِ الرِّيفِ"، وَخَلَّدَ اسْمَهُ فِي صَفَحَاتِ التَّارِيخِ كَقَائِدٍ قَادَ ثَوْرَةَ الرِّيفِ الكُبْرَى ضِدَّ الاسْتِعْمَارِ الإِسْبَانِيِّ وَالفَرَنْسِيِّ بَيْنَ عَامَيْ 1921 وَ1926. كَانَتْ مَسِيرَتُهُ مَزِيجًا مِنْ العِلْمِ، وَالحِكْمَةِ، وَالجِهَادِ السِّيَاسِيِّ وَالعَسْكَرِيِّ، تُجَسِّدُ نِضَالَ شَعْبٍ مِنْ أَجْلِ الكَرَامَةِ وَالاِسْتِقْلَالِ.
النَّشْأَةُ وَالتَّكْوِينُ العِلْمِيُّ
وُلِدَ مُحَمَّدٌ حَوَالَي عَامِ 1882م فِي قَرْيَةِ أَجْدِيرَ بِمِنْطَقَةِ الرِّيفِ شَمَالَ المَغْرِبِ، ضِمْنَ قَبِيلَةِ بَنِي وُرَيَاغِل. نَشَأَ فِي بَيْتِ عِلْمٍ وَدِينٍ، حَيْثُ كَانَ وَالِدُهُ عَبْدُ الكَرِيمِ قَاضِيًا وَفَقِيهًا. تَلَقَّى تَعْلِيمَهُ الأَوَّلِيَّ فِي قَرْيَتِهِ، ثُمَّ اِلْتَحَقَ بِـجَامِعَةِ القُرْوِيِّينَ فِي فَاسَ، قَبْلَ أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَى إِسْبَانِيَا حَيْثُ نَالَ شَهَادَةً فِي الحُقُوقِ، مِمَّا مَكَّنَهُ مِنَ الجَمْعِ بَيْنَ الثَّقَافَةِ الإِسْلَامِيَّةِ الأَصِيلَةِ وَالمَعْرِفَةِ الغَرْبِيَّةِ الحَدِيثَةِ.
مِنَ القَاضِي إِلَى زَعِيمِ المُقَاوَمَةِ
فِي مَدِينَةِ مِلِّيْلِيَّةَ، اشْتَغَلَ مُحَمَّدٌ مُدَرِّسًا وَصَحَفِيًّا، ثُمَّ أَصْبَحَ قَاضِيًا أَعْلَى. خِلَالَ هَذِهِ الفَتْرَةِ، شَهِدَ عَلَى ظُلْمِ الاِحْتِلَالِ الإِسْبَانِيِّ، وَأُصِيبَ فِي مُحَاوَلَةِ فِرَارٍ مِنْ اعْتِقَالٍ تَعَسُّفِيٍّ سَنَةَ 1915. ظَلَّ يُمَارِسُ مَهَامَّهُ القَضَائِيَّةَ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ وَالِدُهُ عَامَ 1920، وَكَانَتْ وَصِيَّتُهُ: "دَافِعُوا عَنْ بِلَادِكُمْ، فَالِاسْتِعْمَارُ أَعْدَاؤُنَا"، لِتَكُونَ هَذِهِ الكَلِمَاتُ شَرَارَةَ المُقَاوَمَةِ.
ثَوْرَةُ الرِّيفِ وَمَعْرَكَةُ أَنْوَال
فِي عَامِ 1921، أَعْلَنَ الخِطَّابِيُّ قِيَادَةَ ثَوْرَةِ الرِّيفِ. اسْتَطَاعَ تَوْحِيدَ القَبَائِلِ الرِّيفِيَّةِ فِي جَيْشٍ مَحَلِّيٍّ، وَوَظَّفَ الجِبَالَ وَالتَّضَارِيسَ لِصَالِحِهِ، وَوَاجَهَ الجِنْرَالَ الإِسْبَانِيَّ سِيلْفِسْتْرِي فِي مَعْرَكَةِ أَنْوَال الَّتِي اِنْتَهَتْ بِانْتِصَارٍ سَاحِقٍ لِلرِّيفِ، حَيْثُ قُتِلَ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ 13 أَلْفِ جُنْدِيٍّ إِسْبَانِيٍّ وَأُسِرَ الآلافُ.
جُمْهُورِيَّةُ الرِّيفِ: أَوَّلُ تَجْرِبَةٍ اسْتِقْلَالِيَّةٍ
لَمْ يَكُنْ نِضَالُ الخِطَّابِيِّ عَسْكَرِيًّا فَقَطْ، بَلْ سِيَاسِيًّا أَيْضًا؛ فِي سَنَةِ 1923 أَعْلَنَ تَأْسِيسَ جُمْهُورِيَّةِ الرِّيفِ، وَأَقَامَ مُؤَسَّسَاتٍ مَدَنِيَّةً، وَوِزَارَاتٍ لِلتَّعْلِيمِ، وَالصِّحَّةِ، وَالعَدْلِ، بَلْ أَصْدَرَ عُمْلَةً خَاصَّةً وَنِظَامًا اقْتِصَادِيًّا مَحَلِّيًّا. لَقَدْ بَرَزَ كَرَجُلِ دَوْلَةٍ وَمُنَظِّمٍ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ مُحَارِبًا.
الغَزْوُ الفَرَنْسِيُّ وَاسْتِسْلَامٌ تَكْتِيكِيٌّ
فِي عَامِ 1925، تَدَخَّلَتْ فَرَنْسَا بِجَانِبِ إِسْبَانِيَا، وَشَنَّتَا هُجُومًا مُشْتَرَكًا بِالْأَسْلِحَةِ الكِيمْيَائِيَّةِ. بَعْدَ حِصَارٍ طَوِيلٍ وَنَفَادِ المَوَارِدِ، قَرَّرَ الخِطَّابِيُّ فِي مَايُو 1926 الاسْتِسْلَامَ حَقْنًا لِدِمَاءِ المَدَنِيِّينَ. نُفِيَ إِلَى جَزِيرَةِ لارِينِيُون الفَرَنْسِيَّةِ بِالمُحِيطِ الهِنْدِيِّ، وَظَلَّ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ 20 عَامًا.
المَنْفَى وَالمَوَاقِفُ الثَّابِتَةُ
فِي عَامِ 1947، اِنْتَقَلَ إِلَى مِصْرَ بِدَعْوَةٍ رَسْمِيَّةٍ، وَأَسَّسَ هُنَاكَ لَجْنَةَ تَحْرِيرِ المَغْرِبِ العَرَبِيِّ، وَسَانَدَ حَرَكَاتِ الاسْتِقْلَالِ فِي تُونِسَ، الجَزَائِرِ، وَلِيبِيَا. رَفَضَ الخِطَّابِيُّ كُلَّ عُرُوضِ التَّسْوِيَةِ أَوِ العَوْدَةِ المَشْرُوطَةِ، وَظَلَّ يُنَاضِلُ إِعْلَامِيًّا وَسِيَاسِيًّا حَتَّى وَفَاتِهِ فِي 6 فِبْرَايِرَ 1963، وَدُفِنَ فِي القَاهِرَةِ.
خَصَائِصُ قِيَادِيَّةٍ بَارِزَةٍ
- القِيَادَةُ بِالعِلْمِ: قَاضٍ وَمُثَقَّفٌ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ مُقَاتِلًا.
- الإِعْدَادُ الذَّكِيُّ: عَرَفَ كَيْفَ يَسْتَثْمِرُ تَضَارِيسَ بِلَادِهِ.
- التَّنْظِيمُ السِّيَاسِيُّ: حَوَّلَ المُقَاوَمَةَ إِلَى مَشْرُوعِ دَوْلَةٍ.
- الصُّمُودُ: اسْتَمَرَّ فِي النِّضَالِ رَغْمَ النَّفْيِ وَالسِّجْنِ.
مَا الَّذِي نَتَعَلَّمُهُ مِنْ قِصَّةِ الخِطَّابِيِّ؟
- الوَحْدَةُ تَصْنَعُ النَّصْرَ: اتِّحَادُ القَبَائِلِ مَكَّنَهُم مِنْ مُوَاجَهَةِ جَيْشٍ نِظَامِيٍّ.
- العِلْمُ وَسِيلَةٌ لِلتَّحَرُّرِ: الثَّقَافَةُ كَانَتْ سِلَاحَ الخِطَّابِيِّ الأَوَّلَ.
- السِّيَادَةُ لا تُشْتَرَى: رَفَضَ الحُلُولَ الجُزْئِيَّةَ وَطَلَبَ الاسْتِقْلَالَ الكَامِلَ.
- النِّضَالُ لا يَتَوَقَّفُ: حَتَّى مِنْ مَنْفَاهُ ظَلَّ حَامِلًا لِوَاءَ الحُرِّيَّةِ.
أَسْئِلَةٌ تَفَاعُلِيَّةٌ لِلْفَهْمِ وَالتَّأَمُّلِ
- مَا هِيَ العَوَامِلُ الَّتِي أَهَّلَتِ الخِطَّابِيَّ لِقِيَادَةِ الثَّوْرَةِ؟
- كَيْفَ أَثَّرَتْ مَعْرَكَةُ أَنْوَالَ عَلَى الاسْتِعْمَارِ الإِسْبَانِيِّ؟
- مَا أَهَمِّيَّةُ تَأْسِيسِ جُمْهُورِيَّةِ الرِّيفِ؟
- لِمَاذَا رَفَضَ الخِطَّابِيُّ العَوْدَةَ لِلْمَغْرِبِ بِشُرُوطٍ؟
- كَيْفَ نُطَبِّقُ دُرُوسَ تَجْرِبَتِهِ عَلَى وَاقِعِنَا اليَوْمَ؟
خَاتِمَةٌ
يُعَدُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الكَرِيمِ الخِطَّابِيُّ نَمُوذَجًا نَادِرًا لِقَائِدٍ وَطَنِيٍّ جَمَعَ بَيْنَ الإِيمَانِ، وَالذَّكَاءِ، وَالشَّجَاعَةِ، وَالاسْتِقَامَةِ. لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ مُقَاتِلٍ، بَلْ رَجُلَ دَوْلَةٍ وَمُثَقَّفٍ حُرٍّ. إِنَّ تَجْرِبَتَهُ تُلْهِمُ الأَجْيَالَ لِتَكْرِيسِ القِيَمِ وَالسَّعْيِ دَائِمًا لِحُرِّيَّةِ الشُّعُوبِ وَكَرَامَتِهَا.